«وكذلك قوله تعالى: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: ٣]، فأقرَّ التلاوة على استئناف العِلم من الله ﷿ عن أن يستأنف علمًا بشيء؛ لأنَّه مَنْ ليس له علم بما يريد أن يَصنعه لم يقدر عليه أن يصنعه نجده ضرورةً.
قال: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: ١٤]، قال: وإنما قوله: ﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ﴾ [محمد: ٣١]، إنما يريد حتى نراه، فيكون معلومًا موجودًا؛ لأنه لا جائز أن يكون يعلم الشيء معدومًا من قبل أن يكون، ويعلمه موجودًا كان قد كان، فيعلم في وقت واحد معدومًا موجودًا وإن لم يكن، وهذا المحال.
وذكر كلامًا في هذا في الإرادة.
إلى أن قال: وكذلك قوله: ﴿إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ﴾ [الشعراء: ١٥]، ليس معناه أن يحدث له سمعًا، ولا تكلف لسمع ما كان من قولهم، وقد ذهب قومٌ من أهل السنة أن لله استماعًا حادثًا في ذاته، فذهبوا إلى أن ما يعقل من أنه يحدث منهم علم سمع لما كان من قول؛ لأن المخلوق إذا سمع حدث له عقد فهم عما أدركته أُذنه من الصوت، وكذلك قوله: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: ١٠٥]، لا يستحدث بصرًا محدثًا في ذاته، وإنما يحدث الشيء فيراه مكونًا كما لم يزل يعلم قبل كونه».
ذكر شيخ الإسلام كلام المفسِّرين في قوله تعالى: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾، فقال:"روي عن ابن عباس: أي لنرى، ورُوي "لنَمِيز"، وهكذا قال عامة المفسِّرين: إلا لنرى ونميز، وكذلك قال جماعة من أهل العلم، قالوا: لنعلمه موجودًا واقعًا بعد أن كان عالِمًا أنه سيكون، ولفظُ بعضهم قال: العلم على منزلتين؛ علم بالشيء قبل وجوده، وعلم به بعد وجوده (١)، والحكمُ للعِلم به بعد وجوده؛ لأنه يوجب الثواب والعقاب،
(١) وهذا النقل يوضِّح المسألة بجلاء لا مراء فيه أن علم الله على منزلتَين أو على نوعَين؛ علم أزلي، وعلم مُتجدِّد.