للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

«قال أبو عبد الله: وأما الآية التي يزعمون أنه قد وصلها- ولم يقطعها كما قطع الكلام الذي أراد به أنه على عرشه، فقال: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ [المجادلة: ٧]، فأخبر بالعلم، ثم أخبر أنه مع كل مُنَاجٍ، ثم ختم الآية بالعلم بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [المجادلة: ٧]؛ فبدأ بالعلم، وختم بالعلم، فبين أنه أراد أنه يَعلمهم حيث كانوا؛ لا يخفون عليه، ولا يَخفى عليه مناجاتهم ولو اجتمع القوم في أسفل وناظر إليهم في العلو، فقال: إني لم أزل أَرَكُم، وأعلم مناجاتكم لكان صادقًا-ولله المثل الأعلى أن يُشبه الخلق-فإن أبَوْا إلا ظاهر التلاوة، وقالوا: هذا منكم دعوى، خرجوا عن قولهم في ظاهر التلاوة؛ لأن مَنْ هو مع الاثنين أو أكثر هو معهم لا فيهم، ومَن كان مع الشيء فقد خلا منه جسمه. وهذا خروج من قولهم».

والمراد بآيات المعية العامة وقد وردت في موضعين من القرآن -كما سيأتي- أن الله معنا بعلمه، فهو مطلع على خلقه شهيد عليهم، ومهيمن وعالم بهم، فهذه المعية هي المرادة بقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.

فالله قد افتتح الآية بالعلم وختمها بالعلم ولذلك أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم تفسير القرآن على أن تفسير الآية هو أنه معهم بعلمه، وقد نقل هذا الإجماع ابن عبد البر (١)، وأبو عمرو الطلمنكي، وابن تيمية (٢)، وابن القيم (٣).


(١) التمهيد (٧/ ١٣٨).
(٢) مجموع الفتاوى (٥/ ١٩٣)، و (٥/ ٥١٩)، و (١١/ ٢٤٩ - ٢٥٠).
(٣) اجتماع الجيوش الإسلامية (ص ٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>