للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والصفات، وباب القضاء والقدر؛ كما اختلفوا في مسائل الأحكام.

وقد أشار الإمام ابن القيم إلى ذلك؛ فقال: «وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام، وهم سادات المؤمنين وأكمل المؤمنين إيمانًا، ولكن- بحمد الله- لم يَتنازعوا في مسألة واحدة في مسائل الأسماء و الصفات والأفعال، بل كلهم على إثبات ما نَطق به الكتاب و السنة كلمة واحدة مِنْ أولهم إلى آخرهم، ولم يسموها تأويلًا، ولم يُحرفوها عن مواضعها تبديلًا، ولم يُبدوا لشيء منها إبطالًا، ولا ضربوا لها أمثالًا، ولم يقل أحد منهم: يجب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها، بل تَلَقَّوْها بالقبول والتسليم، وقابلوها بالإيمان والتعظيم، وجعلوا الأمر فيها كلها أمرًا واحدا … ولم يفعلوا كما فعل أهل الأهواء والبدع حيث جعلوها عِضِين، وأقروا ببعضها وأنكروا بعضها مِنْ غير فُرقان مُبين، مع أنَّ اللازم لهم فيما أنكروه كاللازم فيما أقروا به و أثبتوه» (١).

فقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام؛ أي: المسائل العملية الفرعية. وهذا معروف، ودواوين السُّنَّة مليئة بذلك.

وذكر ابن القيم أيضًا أن الصحابة والتابعين اختلفوا في كثير من الأحكام الفقهية العملية، «ولم يتنازعوا في تأويل آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد، بل اتفقت كلمتهم وكلمة التابعين بعدهم على إقرارها وإمرارها، مع فهم معانيها وإثبات حقائقها، وهذا يدل على أنها أعظم النوعين بيانًا، وأن العناية ببيانها أهم؛ لأنها من تمام تحقيق الشهادتين، وإثباتها من لوازم التوحيد؛ فبَيَّنها الله ورسولُه بيانًا شافيًا لا يقع فيه لَبْس ولا إشكال يُوقع الراسخين في العلم في منازعة ولا اشتباه، ومَن شرح الله لها صدره ونَوَّر لها قلبه يَعلم أن دلالتها على معانيها أظهر من دلالة كثير من آيات الأحكام على معانيها، ولهذا فإن آيات الأحكام لا يَكاد يفهم معانيها إلا الخاصة من الناس، وأمَّا آيات الأسماء والصفات فيَشترك في فهمها الخاص والعام، أعني: فهم أصل المعنى لا فَهم الكُنْه والكيفية» (٢).


(١) «أعلام الموقعين» (١/ ٨٣، ٨٤).
(٢) «الصواعق المرسلة» (٢١١، ٢١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>