للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

غَالِبَ الْأَفْعَالِ لَمَّا كَانَتْ بِالْيَدِ جُعِلَ ذِكْرُ الْيَدِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ فُعِلَ بِنَفْسِهِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ -إلَى قَوْلِهِ- ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ أَيْ: بِمَا قَدَّمْتُمْ؛ فَإِنَّ بَعْضَ مَا قَدَّمُوهُ كَلَامٌ تَكَلَّمُوا بِهِ. وَ

كَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَلَوْ تَرَى إذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ -إلَى قَوْلِهِ- ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾.

وَالْعَرَبُ تَقُولُ: يَدَاك أَوْكَتَا. وَفُوك نُفِخَ: تَوْبِيخًا لِكُلِّ مَنْ جَرَّ عَلَى نَفْسِهِ جَرِيرَةً؛ لِأَنَّ أَوَّلَ مَا قِيلَ هَذَا لِمَنْ فَعَلَ بِيَدَيْهِ وَفَمِهِ.

وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ لُغَةَ الْعَرَبِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ فِي هَذَا كُلِّهِ.

والمتأولون لِلصِّفَاتِ الَّذِينَ حَرَّفُوا الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَأَلْحَدُوا فِي أَسْمَائِهِ وَآيَاتِهِ تَأَوَّلُوا

قَوْلَهُ: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾

وَقَوْلَهُ: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾

عَلَى هَذَا كُلِّهِ فَقَالُوا: إنَّ الْمُرَادَ نِعْمَتُهُ أَيْ: نِعْمَةُ الدُّنْيَا وَنِعْمَةُ الْآخِرَةِ.

وَقَالُوا: بِقُدْرَتِهِ.

وَقَالُوا: اللَّفْظُ كِنَايَةٌ عَنْ نَفْسِ الْجُودِ؛ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ يَدٌ حَقِيقَةً؛ بَلْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ قَدْ صَارَتْ حَقِيقَةً فِي الْعَطَاءِ وَالْجُودِ.

وَقَوْلُهُ: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ أَيْ: خَلَقْته أَنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ يَدٌ حَقِيقِيَّةٌ.

فَهَذِهِ تَأْوِيلَاتُهُمْ؟

فَنَنْظُرُ فِيمَا قَدَّمْنَا: الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: أَنَّ لَفْظَ " الْيَدَيْنِ " بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي النِّعْمَةِ وَلَا فِي الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ لُغَةِ الْقَوْمِ:

اسْتِعْمَالَ الْوَاحِدِ فِي الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ: ﴿إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾

وَلَفْظُ الْجَمْعِ فِي الْوَاحِدِ كَقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ﴾

وَلَفْظُ الْجَمْعِ فِي الِاثْنَيْنِ كَقَوْلِهِ: ﴿صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾

أَمَّا اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْوَاحِدِ فِي الِاثْنَيْنِ أَوْ الِاثْنَيْنِ فِي الْوَاحِدِ فَلَا أَصْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ عَدَدٌ وَهِيَ نُصُوصٌ فِي مَعْنَاهَا لَا يُتَجَوَّزُ بِهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: عِنْدِي رَجُلٌ وَيَعْنِي رَجُلَيْنِ وَلَا عِنْدِي رَجُلَانِ وَيَعْنِي بِهِ الْجِنْسَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَاحِدِ يَدُلُّ عَلَى الْجِنْسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>