للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَإِنْ قُلْت: لِأَنَّ الْيَدَ هِيَ الْجَارِحَةُ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ.

قُلْت لَك: هَذَا وَنَحْوُهُ يُوجِبُ امْتِنَاعَ وَصْفِهِ بِأَنَّ لَهُ يَدًا مِنْ جِنْسِ أَيْدِي الْمَخْلُوقِينَ وَهَذَا لَا رَيْبَ فِيهِ؛ لَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ " يَدٌ " تُنَاسِبُ ذَاتَهُ تَسْتَحِقُّ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ مَا تَسْتَحِقُّ الذَّاتُ؟

قَالَ: لَيْسَ فِي الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ مَا يُحِيلُ هَذَا؛

فَإِذَا كَانَ هَذَا مُمْكِنًا وَهُوَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ فَلِمَ يُصْرَفُ عَنْهُ اللَّفْظُ إلَى مَجَازِهِ؟ وَكُلُّ مَا يَذْكُرُهُ الْخَصْمُ مِنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ وَصْفِهِ بِمَا يُسَمَّى بِهِ -وَصَحَّتْ الدَّلَالَةُ-سُلِّمَ لَهُ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْمَخْلُوقُ مُنْتَفٍ عَنْهُ وَإِنَّمَا حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَظَاهِرُهُ " يَدٌ " يَسْتَحِقُّهَا الْخَالِقُ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ بَلْ كَالذَّاتِ وَالْوُجُودِ.

الْمَقَامُ الثَّالِثُ: هل بَلَغَك أَنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ: أَنَّهُمْ قَالُوا: الْمُرَادُ بِالْيَدِ خِلَافُ ظَاهِرِهِ أَوْ الظَّاهِرُ غَيْرُ مُرَادٍ أَوْ هَلْ فِي كِتَابِ اللَّهِ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ وَصْفِهِ بِالْيَدِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً؛ بَلْ أَوْ دَلَالَةً خَفِيَّةً؟ فَإِنَّ أَقْصَى مَا يَذْكُرُهُ الْمُتَكَلِّفُ

قَوْلُهُ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾

وَقَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾

وَقَوْلُهُ: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾

وَهَؤُلَاءِ الْآيَاتُ إنَّمَا يَدْلُلْنَ عَلَى انْتِفَاءِ التَّجْسِيمِ وَالتَّشْبِيهِ. أَمَّا انْتِفَاءُ يَدٍ تَلِيقُ بِجَلَالِهِ فَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ. وَكَذَلِكَ هَلْ فِي الْعَقْلِ مَا يَدُلُّ دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى أَنَّ الْبَارِيَ لَا " يَدَ " لَهُ أَلْبَتَّةَ؟ لَا " يَدًا " تَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَلَا " يَدًا " تُنَاسِبُ الْمُحْدَثَاتِ وَهَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا؛ وَلَوْ بِوَجْهِ خَفِيٍّ؟ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي السَّمْعِ وَلَا فِي الْعَقْلِ مَا يَنْفِي حَقِيقَةَ الْيَدِ أَلْبَتَّةَ؛ وَإِنْ فُرِضَ مَا يُنَافِيهَا فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْوُجُوهِ الْخَفِيَّةِ-عِنْدَ مَنْ يَدَّعِيهِ-وَإِلَّا فَفِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ شُبْهَةٌ فَاسِدَةٌ.

فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُمْلَأَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ ذِكْرِ الْيَدِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ بِيَدِهِ وَأَنَّ ﴿يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ وَأَنَّ الْمُلْكَ بِيَدِهِ وَفِي الْحَدِيثِ مَا لَا يُحْصَى ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ وَأُولِي الْأَمْرِ: لَا يُبَيِّنُونَ لِلنَّاسِ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يُرَادُ بِهِ حَقِيقَتُهُ وَلَا ظَاهِرُهُ حَتَّى يَنْشَأَ " جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ " بَعْدَ انْقِرَاضِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ فَيُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ عَلَى نَبِيِّهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>