للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تُؤمن باللهِ ومَلائكته وكُتُبه ورُسله واليوم الآخر، وتُؤمن بالقَدَر؛ خَيره وشَرِّه» (١).

وقوله : «الإيمانُ بالقَدَر على درجتين، كل درجة تتضمن شيئين» بَيَّن فيه مَراتب القَدَر الأربع التي هي: (العِلم والكتابة والمَشيئة والخَلْق).

فذكر هنا مراتب القَدَر، وجمع هنا بين مرتبتين؛ مرتبة العلم ومرتبة الكتابة؛ باعتبار أنهما متلازمتان، كما أنَّه بالدرجة الثانية جمع بين الخلق والمشيئة، فالقسمة إما ثنائية وإمَّا رباعية، فإذا قلت: رباعية، فتقول: (العلم، الكتابة، الخلق، المشيئة).

وإذا قلت ثنائية، فتقول: (العلم، الكتابة)، أي: عَلِم ذلك وكَتَبَه، ثم خَلَقَه وشاءه.

فقال: «الإيمانُ بالقَدَر على دَرجتين؛ كل درجة تتضمن شيئين:

فالدَّرجة الأولى: الإيمانُ بالعلم والكتابة»؛ فالله-تَعالى علم الأشياء قبل كونها، ويعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، كما أخبر-مثلًا-عن شأن أهل النار فقال: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأنعام: ٢٨]؛ فلو رُدُّوا إلى الدنيا فسيكون منهم عودة إلى ما نَهاهم الله عنه، وهذا لا يكون ولكنه لو كان فسيكون بهذه الحال، فالله علم الأشياء قبل كونها، وهو عليم بها أثناء كونها، وعليم بما سيكون، وعليم بما لم يكن لو كان كيف يكون، فسبحان مَنْ وَسِع علمُه كل شيء!

فهو عليمٌ بما الخلقُ عاملون بعلمِه القديم الذي هو مَوصوفٌ به أزلًا وأبدًا؛ ونحن نؤمن أن الله متصف بجميع الصفات أزلًا وأبدًا.

وغُلاة القدرية-كما أشار المصنف-يقولون والعياذ بالله-: إن الله لا يعلم أنَّ العبد سيَعمل هذا العمل إلَّا عند وقوعه. تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.

والله عالمٌ بكل شيء أزلًا، قال عبادة بن الصامت لابنه: يا بُني، إنَّك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليُصيبك، سمعتُ رسول الله ، يقول: «إنَّ أول ما خَلق اللهُ القلم، فقال له: اكتب. قال: ربِّ وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كلِّ شيء حتى تقوم الساعة»، يا بُني إني سمعت رسول الله يقول: «مَنْ مات على غير هذا فليس مِنِّي» (٢).


(١) أخرجه البخاري (٥٠) من حديث أبي هريرة ?، ومسلم (٨) من حديث عبد الله بن عمر .
(٢) أخرجه أبو داود (٤٧٠٠) والترمذي (٢١٥٥)، وصححه الألباني في «صحيح الترمذي» (٢٦٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>