للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأهلُ السُّنَّةِ نَقاوةُ المسلمين، فهم خير الناس للناس» (١)، وأسعدُ النَّاسِ بالحقِّ وأرحمهم بالخلق؛ فإنَّهم لم يُكَفِّروا أهلَ القِبْلَةِ بارتكابِ الكبائرِ، وإنَّما قالوا: مرتكب الكبيرة مؤمنٌ ناقصُ الإيمانِ، فهوَ مؤمنٌ بإيمانِهِ وفاسقٌ بمعصيتِهِ؛ فلم يُعطوهُ الإيمانَ المطلقَ، ولم يسلبوهُ مطلقَ الإيمانِ، ولم يَحكموا على الفاسقِ بأنَّهُ مُخَلَّدٌ في النارِ يومَ القيامةِ، بل قالوا: إنَّ مُرتكبي الكبائرِ من أهلِ القِبْلَةِ في مشيئةِ اللهِ يومَ القيامةِ؛ إن شاءَ عَفَا عنهم وأدخلَهُم الجنَّةَ بلا عذابٍ، وإن شاءَ عذَّبَهُم على قَدْرِ ذنوبِهِم، ثمَّ أدخلهمُ الجنَّةَ؛ كما قالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨].

قال الإمام القرطبي : «قال علماؤنا : الناس في الآخرة ثلاث طبقات: متقون لا كبائر لهم. ومخلطون وهم الذين يوافون بالفواحش والكبائر. والثالث: الكفار.

فأمَّا المتقون: فإن حسناتهم تُوضع في الكفة النيرة، وصغائرهم-إن كانت لهم الكفة الأخرى-فلا يجعل الله لتلك الصغائر وزنًا، وتثقل الكفة النيرة حتى لا تَبرح، وترتفع المظلمة ارتفاع الفارغ الخالي.

وأمَّا المخلطون فحسناتهم توضع في الكفة النيرة، وسيئاتهم في الكفة المظلمة، فيكون لكبائرهم ثقل، فإن كانت الحسنات أثقل ولو بصؤابة دخل الجنة، وإن كانت السيئات أثقل ولو بصؤابة دخل النار إلا أن يغفر الله، وإن تساويا كان من أصحاب الأعراف على ما يأتي، هذا إن كانت للكبائر فيما بينه وبين الله، وأما إن كانت عليه تبعات وكانت له حسنات كثيرة فإنه ينقص من ثواب حسناته بقدر جزاء السيئات؛ لكثرة ما عليه من التبعات؛ فيُحمل عليه مِنْ أوزار مَنْ ظلمه، ثم يُعَذَّب على الجميع. هذا ما تقتضيه الأخبارُ» (٢).


(١) من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عن أهل السنة، كما في «منهاج السنة» (٥/ ١٥٨).
(٢) «التذكرة» للقرطبي (ص ٣٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>