للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعليه فرأي الجمهور هو الصواب، وهو أنه لا يشهد لأحد بأنه من أهل الجنة أو من أهل النار إلا إذا ورد نص أو إجماع.

وأعني بالإجماع هنا ما يراد به حكم الجماعة المسلمة في وقت ما على المعين بأنه من أهل الجنة، فهو من أهل الجنة إن شاء الله تعالى حسب الظاهر للمسلمين وقتئذ ولا يقطع به جزما لأنه ضرب من الغيب، لذلك نصوب من يقول: هو من أهل الجنة إن شاء الله تعالى ..

وعلى هذا: لا يصح الاستثناء للمعين بالشهادة فنقول هو شهيد إن شاء الله، للنهي الوارد فيما ذكرنا أعلاه، وإنما نقول نرجو له الشهادة أو نقول كما علمنا عمر: من فعل كذا فهو شهيد عن عُمَرَ أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ تَقُولُونَ فِي مَغَازِيكُمْ فُلَانٌ شَهِيدٌ وَمَاتَ فَلَانٌ شَهِيدًا وَلَعَلَّهُ قَدْ يَكُونُ قَدْ أَوْقَرَ رَاحِلَتَهُ أَلَا لَا تَقُولُوا ذَلِكُمْ وَلَكِنْ قُولُوا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ مَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ قُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ" (١).

وخلاصة القول: هذه المسألة من مسائل الأسماء والأحكام، قوله: ومن كان من أهل الإسلام فلا تشهد له بعمل خيرٍ ولا شر، يعني ليس لك أن تشهد لمعين أنه من أهل الجنة أو من أهل النار، لأنك لا تدري ماذا يُختم له، فقد يُصبح المرء مسلماً ويُمسي كافراً يمسي كافراً ويصبح مؤمناً، فلا يُدرى ما هي خاتمة كل أحدٍ منا، ولذلك كان من الدعاء: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.

فقد ترى الرجل على معصية وعلى شر، وعلى حالٍ لا يرضي الله ﷿ لكن قد يُختم له بخاتمة حسنة، فقد يتوب فيتوب الله عليه، فلذلك لا نشهد لأحدٍ بعينه بجنة أو نار، لكن نرجو للمحسن الخير ونخاف على المسيء، فإنك لا تدري بما يُختم له عند الموت ترجو له رحمة الله وتخاف عليه ذنوبه، فترجو إذا كان على خير أن يُختم له بخير، وإن كان على شر أن يُختم له إن شاء الله تعالى بتوبة.


(١) انظر فتح الباري لابن حجر (٦/ ٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>