للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حرام يجب اجتنابه، فالبعض يُفتي أنه إذا دعا هذا الغنيُّ أحدًا من الناس أنه لا تُجاب دعوته، بزعم أن ماله مَشبوه، وأنه على أمرٍ قد حرمه الله من كسبه ومن التجارة، فيزعم هؤلاء أنهم لا يُجيبون دعوة الأغنياء من الناس تحت دعوى أن مال هؤلاء مالٌ مشبوه، وهذه دعوى البعض يَعتقدها، وهذا لا يقول به أهل السنة والجماعة.

فإن الأصل في أموال الناس الحلُّ، إلا إذا تبين لنا أن فيها حرامًا، فإذا تبين لنا فعند ذلك للإنسان أن يجتنب هذا المال؛ لأنه قد يكون مال شبهة، وهكذا الإنسان لو ابتلي بأبٍ أو بأسرة يوجد في أموالها ما هو حرام، فهل على الإنسان أن يجتنب ذلك كله، أو يقوم على أن الأصل هو الحل، وإنما وزر هذا الكسب يكون على مَنْ تسبب فيه .. وهذه أمور مبسوطة في كتب الفقه؛ يذكرها أهل العلم، ويبينون أن على الإنسان أن يستبرأ لدينه، وأن الإنسان إذا كسب مالًا حرامًا فوزره عليه.

فمعلومٌ أنه لا يحلُّ مال امرئٍ مسلم إلا بطيبةٍ من نفسه فليس لك الحق في أن تأخذَ من مالِ أخيك حتى وإن كان شيئاً يسيراً لم تطب به نفسه، لا يجوز لك أن تأخذه في هذا الشيء حتى لو كان المال الذي في يده مال حرام فهو ضامن له إلا إذا كان ولي أمر أو سلطان وأرادَ أن يًخرجَ هذا المال من يدِ هذا الذي اغتصبَ هذا المال فذاك في ولاية السلطان، أما أنت فليس لك حقٌ في أخذه فلعل الله ﷿ أن يتوبَ على هذا الشخص فيُرجِع هذا المال إلى أهله فلا تقول إنه مال حرام وأنا لي حق في أخذه، ليس لك الحق في أخذه مهما كان.

ثم المكاسب-بحمد الله تعالى-مطلقة إلا ما بانَ بيانُ تحريمه في هذا الشيء، ثم إن الأمر بالتكسُّب أمرٌ شرعي، وطلبُ القوت والرزق أمرٌ شرعي، وترك التكسُّب كما يدعو إليه المتصوفة؛ ويدعون إلى أن يعيشَ الناس على التكفف من غيرهم والسؤال من غيرهم والعيش بالأربطة وغير ذلك والتفرغ للعبادة، كل هذا ليس من دين الله ﷿، ونحن نعلم أن أصحابَ النبي كان منهم التاجر، وكان منهم الفلاح المزارع، وكان منهم مَنْ يقوم بالاحتطاب؛ إلى غير ذلك فهم كانوا أهل صنعة وأهل حرفة.

وما كان من أصحاب السخرة فلأنهم من المهاجرين الذين لم يجدوا لهم فرصةً للعمل باعتبارِ أن المكاسب والأعمال في المدينة كانت في ذلك الوقت محدودة، ثم إن أهلِ السخرة بمجردِ أن تغير وجاءت الفتوحات على أهل الإسلام لم يبقوا في المسجد.

<<  <  ج: ص:  >  >>