للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

«ونعتقد: أن العبودية لا تَسقط عن العبد ما عقل وعلم ما له وما عليه مميز على أحكام القوة والاستطاعة؛ إذ لم يسقط ذلك عن الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، ومن زعم أنه قد خرج من رِقِّ العبودية إلى فضاء الحرية بإسقاط العبودية والخروج إلى أحكام الأحدية المبدئية (١) بعلائق الآخرية، فهو كافر لا محالة؛ إلا من اعتراه علة أو رأفة؛ فصار معتوهًا أو مجنونًا أو مبرسمًا (٢)، وقد اختلط في عقله أو لحقه غشية ارتفع عنه أحكام العقل، وذهب عنه التمييز والمعرفة؛ فذلك خارج عن الملة مفارق للشريعة».

فالمتصوفة يرون أنه في حال وصول هذا الشخص إلى رُتبة مُعينة تسقط عنه الأوامر والنواهي، وقد يقولون: (مَنْ شهد الإرادة سقط عنه التكليف).

فإذا وصل إلى مرحلة شهود الله ﷿ وأنه الفاعل لكل شيء على الحقيقة وأنهم لا فعل لهم ولا مشيئة، على حدِّ زعمهم فهذا لا تكليف عليه، وكما سيأتي أنهم يقولون في هذا: إنه يصبح مثل البَحر؛ لا تضره الذنوب، كما أن الأوساخ لا تؤثر في البحر الخضم. أي: لا يتأثر بذنب ولا ينتفع بطاعة، وهذا من استدراج الشيطان لهم، والعياذ بالله.

ويزعمون أن الخضر سقط عنه التكليف؛ لشهوده الإرادة؛ لأنه- من الأولياء، والأولياء لهم مَرتبة تُسقط عنهم التكاليف.

فيُفرقون بين العامَّة والخاصة؛ فالخواص تسقط عنهم الأوامر والنواهي، ويكتفون بشهود الحقيقة الكونية، قال المصنف: «وقد يفرقون بين مَنْ يعلم ذلك علمًا وبين مَنْ


(١) يقصدون بالأحدية: وحدة الوجود. فالأحدية تطلق عند الصوفية على كل موجود من إنسان وغيره.
والمبدئية: من المبدأ، والمبدأ عند الصوفي هو الله تعالى. انظر: «معجم المصطلحات الصوفية» (ص ٢٢٤).
(٢) البرسام: كلمة معربة، وتعني: علة تُصيب الرأس. انظر: «لسان العرب» (١٢/ ٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>