للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نلاحظ أيضا بأن البعض منهم قالوا إنها نزلت على الرسول بعد استكمال الشرعية.

والبعض الآخر قال: إنها أسرار الله يبديها الله لأوليائه.

وكلا القولين تترتب عليهما أمورا خطيرة.

وادعاء أن لها علم باطن هذا فيه اتهامٌ للنبي أنه كتمَ الحق فأظهرَ لنا أمراً وأخفى عنا غيره، وهذا الذي يزعمه هؤلاء؛ أن الذي أظهره النبي هذا هو الظاهر، وأن ما عندهم هو علم الباطن، فكل هذا من الافتراء والكذب ومحاولة تشويه دين الإسلام.

فالله تعالى أنزلَ كتاباً وأرسلَ رسولاً، وهذه الآيات وهذه النصوص وهذه المعاني واضحة بيِّنة لأنها بلسانٍ عربيٍّ مبين ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف: ٢]، وقال: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: ١٩٥] فهو بيِّن واضح ليس للأمرِ ظاهر وباطن كما يزعم هؤلاء الذين أرادوا تحريفَ دينِ الإسلام.

وفي سبيل ترويج باطلهم أظهروا ما يسمى بالذوق والكشف والوجد

فجعلت الصوفية «الذوق» هو وسيلة المعرفة، دون الشرع والعقل، فقصرت رحمة الله على فئة قليلة في عباده، وصيَّرت الإنسان كمن يمشي في ضوء الشمس وهو مغمض عينيه، فلا يستفيد من ضوئها، أو كمن يحاول أن يبصر في الظلام فلا يستفيد من عينيه.

وبذلك اختلفت طرائقهم وأفكارهم، وصارت مصادر المعرفة عند الصوفية مختلفة ومتباينة؛ لأن كل صوفي يتحدث عنها من واقع تجربته الخاصة.

ومن هذا المنطلق كتب الشيخ عبد الرحمن الوكيل في كتابه «هذه هي الصوفية» عن مفهوم الذوق عند الصوفية، يقول: إن الصوفية تعتقد أن الذوق الفردي لا الشرع، ولا العقل هو وحده وسيلة المعرفة ومصدرها لمعرفة الله وصفاته، وما يجب له، فهو - أي الذوق - الذي يقوم حقائق الأشياء ويحكم عليها بالخَيْرِيَّة أو الشَّرِّية، بالحُسُنِ والقُبْحِ، بأنها حق أو باطل، فلا جَرَمَ أن تدين الصوفية بعدد عديد من أرباب وآلهة، ولا عجب أن ترى النِّحلَةَ منها تخضع لصنم يكفر به سواها من النِّحل الصوفية، لا عجب في ذلك كله ما دامت تجعل «الذوق» (١) الفردي حاكماً وقيماً على المسميات وأسمائها (٢).


(١) يعني الذوق الخاص بكل إنسان ونتيجة لهذا يصبح الدين والأخلاق بلا معيار ولا ميزان.
(٢) كتاب «هذه هي الصوفية» تأليف الشيخ عبد الرحمن الوكيل (ص ٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>