للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى هذه الآية: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [سورة الحديد آية: ٤] معناه: أنه لا يخفى عليه خافية بعلمه، وسيأتي هذا مع ما يشابهه من كلام الإمام أحمد، وأبي زرعة، وغيرهما، وليس معنى قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [سورة الحديد آية: ٤] أنه: مختلط بالخلق، فإن هذا لا توجبه اللغة، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، بل القمر آية من آيات الله، من أصغر مخلوقاته، هو موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان.

وهو سبحانه فوق العرش، رقيب على خلقه، مهيمن عليهم، مطلع عليهم، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته ; وأخبر تعالى أنه ذو المعارج تعرج الملائكة والروح إليه، وأنه القاهر فوق عباده، وأن ملائكته يخافون ربهم من فوقهم، فكل هذا الكلام الذي ذكره الله، من أنه فوق عباده، على عرشه، وأنه معنا، حق على حقيقته، لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة.

وهو سبحانه، قد أخبر أنه قريب من خلقه، كقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [سورة البقرة آية: ١٨٦] الآية، وقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [سورة ق آية: ١٦] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته "١، وقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ


١ أحمد (٤/٤٠٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>