القاضي أن يكون من أهل الاجتهاد; وبهذا قال مالك، والشافعي، وبعض الحنفية; وقال بعضهم: يجوز أن يكون عامياً فيحكم بالتقليد، لأن الغرض منه فصل الخصومات، فإذا أمكنه ذلك بالتقليد، جاز، كما يحكم بقول المقومين.
ولنا قول الله تعالى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}[سورة المائدة آية: ٤٩لا] ، ولم يقل بالتقليد; وقال تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}[سورة النساء آية: ٥٩] . وروى بريدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجنة: رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل جار في الحكم فهو في النار " ١، رواه ابن ماجة. قال: والعامي يقضي على جهل، ولأن الحكم آكد من الفتيا، لأنه فتيا وإلزام، والمفتي لا يجوز أن يكون مقلداً، فالحكم أولى.
وقال في الإنصاف: ويشترط في القاضي أن يكون مجتهداً؛ هذا المذهب - إلى أن قال - واختار في الترغيب: ومجتهد في مذهب إمامه للضرورة; واختار في الإفصاح والرعاية: ومقلداً. قلت: وعليه العمل من مدة طويلة، وإلا لتعطلت أحكام الناس. انتهى.
وذكر ابن القيم - في مسألة التقليد في الفتيا - ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا يجوز الفتوى في التقليد، لأنه ليس بعلم، وأن المقلد لا يطلق عليه اسم عالم؛ وهذا قول أكثر
١ أبو داود: الأقضية (٣٥٧٣) , وابن ماجة: الأحكام (٢٣١٥) .