كلام بعض الفقهاء، تغير وجهه وقال: هؤلاء المقلدة، وأهل الرأي المتمذهبة.
والفقهاء، رحمة الله عليهم، أهل شرح لأحاديث الأحكام، كغيرهم من شراح الحديث، والخطأ الذي يوجد في كلام بعضهم أيسر وأهون من الخطإ الذي يوجد في كلام غيرهم؛ فإن خطأ هؤلاء في المسائل الفرعية الاجتهادية، وأولئك خطؤهم في المسائل الأصولية واليقينية، وهم مع ذلك لا يوجبون تقليد أنفسهم، ولا تقليد إمامهم الذي ينتحلون مذهبه، بل ولا يسوغونه إذا قام الدليل؛ وإنما يسوغون الأخذ بقول ذلك الإمام مع عدمه، وقد يرجحون قوله على قول غيره من العلماء، لكونه أعلم وأتقى، ودليله أصح وأقوى، كما يترجح عند الرجل أحد القولين من أقوال العلماء، ولا يوجبون إلا ما أوجبه الله في كتابه، أو ثبت عن نبيه صلى الله عليه وسلم.
قال في المنتهى لموسى بن أحمد الحجاوي، وشرحه لمنصور بن يونس، رحمه الله: ولا يجوز أن يقلد القضاء رجل على أن يحكم بمذهب بعينه، لقوله تعالى:{فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ}[سورة ص آية: ٢٦] ، والحق لا يتعين في مذهب إمام بعينه، فقد يظهر له الحق في غير هذا المذهب.