للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأهل السنن عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج ; " ١؛ ومعلوم أن إيقاد السرج إنما لعن فاعله لكونه وسيلة إلى تعظيمها، وجعلها نصباً يوفض إليها المشركون، وكذلك اتخاذ المساجد على قبور الأنبياء والصالحين.

ووجه الدلالة من هذه الأحاديث: أنه إذا لعن من فعل ما هو وسيلة إلى التعظيم والغلو، وإن كان المصلي عندها ومتخذها مساجد إنما وجه وجهه وقلبه إلى الله وحده، فكيف إذا وجه وجهه إلى أرباب القبور، وأرواح الأموات، وأقبل عليها بكليته، وطلب النفع منها من دون الله؟ فإنه قد صرف ما هو من خصائص الربوبية، لمن لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً. فمن جعل لله شريكاً يلتجئ إليه ويعلق به قلبه، ويوجه إليه وجهه، ويرغب إليه دون الله، فقد جعل لله نداً، كما في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه: " قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك " ٢ الحديث.

وقد بين تعالى في كتابه دينه الحنيف، فيما ذكر عن خليله إبراهيم عليه السلام، أنه {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سورة الأنعام آية: ٧٨-٧٩] ، وقال: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ


١ الترمذي: الصلاة (٣٢٠) , والنسائي: الجنائز (٢٠٤٣) , وأبو داود: الجنائز (٣٢٣٦) , وابن ماجة: ما جاء في الجنائز (١٥٧٥) , وأحمد (١/٢٢٩, ١/٢٨٧, ١/٣٢٤, ١/٣٣٧) .
٢ البخاري: الأدب (٦٠٠١) , ومسلم: الإيمان (٨٦) , والترمذي: تفسير القرآن (٣١٨٢, ٣١٨٣) , والنسائي: تحريم الدم (٤٠١٣, ٤٠١٤) , وأبو داود: الطلاق (٢٣١٠) , وأحمد (١/٣٨٠, ١/٤٣١, ١/٤٣٤, ١/٤٦٢, ١/٤٦٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>