للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنبياء مساجد، ولعن من فعل ذلك، ولما قال ذلك أعلم الخلق به: ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً، انتهى.

قلت: وفي هذه الأحاديث ما يبطل هذا التحريف الذي أشار إليه العلامة، كتحريف شارح المشارق، فإن قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تتخذوا قبري عيداً " ١ مسبوق وملحق بما يبين معناه، كقوله: " وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم " ٢، وكقوله في الحديث الذي رواه الحسن بن الحسين " لعن الله إليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ٣، وغير ذلك مما هو ظاهر، يبين مراده صلى الله عليه وسلم أنه خشي على أمته تعظيم القبور والغلو فيها، كما في الموطإ عن عطاء بن أبي رباح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد. اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ٤؛ وهذا الحديث صريح في بيان مراد النبي صلى الله عليه وسلم بالجملة الأولى من الحديث، والجملة الثانية، حَمَى صلى الله عليه وسلم حِِمَى التوحيد، ومثل هذه الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله " ٥.

[من أعظم أسباب الشرك تعظيم القبور]

فقد عرفت مما تقدم: أن من أعظم أسباب الشرك تعظيم القبور والعكوف عندها؛ ولا ريب أن ذلك يفضي إلى الالتجاء إليها، والتعلق بها، والرغبة إليها، ونحو ذلك من المحبة، وخطابها بالحوائج، وغير ذلك مما لا يمكن عده،


١ مسلم: صلاة المسافرين وقصرها (٧٨٠) , والترمذي: فضائل القرآن (٢٨٧٧) , وأبو داود: المناسك (٢٠٤٢) , وأحمد (٢/٣٦٧) .
٢ أبو داود: المناسك (٢٠٤٢) , وأحمد (٢/٢٨٤, ٢/٣٣٧, ٢/٣٦٧, ٢/٣٧٨, ٢/٣٨٨) .
٣ البخاري: المغازي (٤٤٤١) , ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٥٣١) , والنسائي: المساجد (٧٠٣) , وأحمد (١/٢١٨, ٦/٣٤, ٦/٨٠, ٦/١٢١, ٦/١٤٦, ٦/٢٥٢, ٦/٢٥٥, ٦/٢٧٤) , والدارمي: الصلاة (١٤٠٣) .
٤ مالك: النداء للصلاة (٤١٦) .
٥ البخاري: أحاديث الأنبياء (٣٤٤٥) , وأحمد (١/٢٣, ١/٢٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>