ومن صفات المؤمن: أنه عند الزلازل وقور، وفي الرخاء شكور; ومما يخفف المصائب برد التأسي، فانظروا يميناً وشمالاً وأمام ووراء، فإنكم لا تجدون إلا من قد وقع به ما هو أعظم من مصيبتكم أو مثلها أو قريب منها، ولم يبق إلا التفاوت في عوض الفائت. أعوذ بالله من الخسران. ولو أمعن البصير في هذا العالم جميعه، لم ير إلا مبتلى، إما بفوات محبوب، أو حصول مكروه، وأن سرور الدنيا أحلام ليل، أو كظل زائل، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً، وإن سرت يوماً أساءت دهراً، جمعها إلى انصداع، ووصلها إلى انقطاع، إقبالها خديعة، وإدبارها فجيعة، لا تدوم أحوالها، ولا يسلم نزالها، حالها انتقال، وسكونها زوال، غرارة خدوع، معطية منوع، ملبسة نزوع، ويكفي في هوانها على الله أنه لا يعصى إلا فيها، ولا ينال ما عنده إلا بتركها.
مع أن المصائب من حيث هي رحمة للمؤمن وزيادة في درجاته، كما قال بعض السلف:" لولا مصائب الدنيا، لوردنا الآخرة مفاليس ". والرب سبحانه لم يرسل البلاء إلى العبد ليهلكه، ولا ليعذبه، ولكن امتحاناً لصبره ورضاه عنه، واختباراً لإيمانه، وليراه طريحاً ببابه لائذاً بجنابه، منكسر القلب بين يديه; فهذا من حيث المصائب الدنيوية; وأما ما جرى عليكم، فأنتم به بالتهنئة أجدر من التعزية، ولعمر الله أن من سلم له دينه، فالمحن في حقه منح، والبلايا عطايا، والمكروهات له محبوبات. وأما المصيبة والخطب الأكبر،