العلم والإيمان إلا وهم أقل الناس انزعاجاً عند المصائب، وأحسنهم طمأنينة، وأقلهم قلقاً عند النوازل، وما ذاك إلا لما أوتوا مما حرمه الجاهلون، قال الله تعالى:{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[سورة البقرة آية: ١٥٥-١٥٦] ؛ فهذه الكلمة من أبلغ علاج المصاب، وأنفعه له في العاجلة والآجلة؛ فإنها تضمن أصلين عظيمين، إذا تحقق العبد بمعرفتها تسلى عن مصيبته: أولا: أن العبد وأهله وماله ملك لله تعالى يتصرف فيه، حيث جعله تبارك وتعالى عند عبده عارية، والمعير مالك قاهر قادر. وهو محفوف بعدمين: عدم قبله، وعدم بعده، وملك العبد متعة معارة. الثاني: أن مصير العبد ومرجعه ومرده إلى مولاه الحق، الذي له الحكم والأمر، ولا بد أن يخلف ما خوله في هذه الدار وراء ظهره، ويأتي فرداً بلا أهل ولا مال ولا عشيرة، ولكن بالحسنات والسيئات؛ ومن هذه حاله، لا يفرح بموجود ولا يأسف على مفقود. وإذا علم المؤمن علم اليقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، هانت عليه المصيبة، وقد قيل:
ما قد قضي يا نفس فاصطبري له ... ولك الأمان من الذي لم يقدرِ
وتعلمي أن المقدّر كائن ... يجري عليك عذرتِ أم لم تعذرِ