المتكلم، وبين مجرد حمل ورود العام على سبب لا يقتضي التخصيص به، كنُزول آية السرقة في قصة سرقة رداء صفوان؛ وأما السياق والقرائن الدالة على مراد المتكلم، فهو المرشد لبيان المجملات وتعيين المحملات، كما في حديث الباب. وحمل الشافعي نفي البر المذكور في الحديث، على من أبى قبول الرخصة، قال: ويحتمل أن يكون معناه: ليس من البر المفروض الذي من خالفه أثم؛ وجزم ابن خزيمة وغيره بالمعنى الأول.
وقال الطحاوي: المراد بالبر هنا الكامل، الذي هو أعلى مراتب البر؛ وليس المراد به إخراج الصوم عن أن يكون براً، لأن الإفطار قد يكون أبر من الصوم، إذا كان للتقوي على لقاء العدو مثلاً، وهو نظير قوله صلى الله عليه وسلم:" ليس المسكين بالطواف " ١، فإنه لم يرد إخراجه من أسباب المسكنة كلها، وإنما أراد أن المسكين الكامل المسكنة الذي لا يجد غناء يغنيه، ويستحي أن يسأل، ولا يفطن له. انتهى، وفيه بعض تلخيص.
ولا يخفى ضعف هذا المسلك، الذي سلكه الطحاوي في هذا الموضع، وقد شنع ابن حزم في شرح المحلى على قائل ذلك، وقال: هذا تحريف للكلم عن مواضعه، وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وفاعل هذا يتبوأ مقعده من النار، بنص قوله عليه السلام؛ وليس إذا وجد نص قد جاء نص آخر أو إجماع بإخراجه عن ظاهره، وجب أن يبطل جميع النصوص،