إذا عرفت ذلك: فإنشاء السفر للحج والعمرة، وزيارة المسجدين للصلاة فيها، سفر مشروع مطلوب مندوب إليه، محبوب لله مرضي له، لعبادة الله فيها، وإقامة ما شرعه الله ورسوله فيها، ولما في ذلك من الفضل والأجر العظيم، والعبادات التي لا يصح الإتيان بها إلا فيها، ولا يمكن فعلها في غيرها، كالطواف بالبيت والوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، والوقوف بالمشعر الحرام، وإراقة الدماء في أيام منى، إلى غير ذلك من إقامة شعائر الله. {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}[سورة الحج آية: ٣٢] . فمن رام تعطيل ما شرعه الله ورسوله، وحرم على الناس الحج والعمرة، وزيارة المسجدين، بغير دليل شرعي يجب التسليم له، فقد ظلم نفسه؛ {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا}[سورة البقرة آية: ١١٤] ، وهذا بخلاف إنشاء السفر للتجارة، فإن ذلك ليس مطلوباً شرعاً مندوباً إليه، مرغباً فيه محبوباً لله، بل مباحاً في الجملة; فإن أفضى إلى معصية، كان ذلك ممنوعاً شرعاً لمن لم يقدر على إظهار دينه.
وقد تكلم العلماء قديماً وحديثاً، في مسألة الإقامة بين أظهر المشركين والسفر إلى ديارهم، فمنعوا منها إلا مع إظهار الدين، وبعضهم منع مطلقاً، ولم يمنع أحد من العلماء في قديم الدهر وحديثه، من التطوع بالحج والعمرة، وزيارة المسجدين للصلاة فيهما، إلا إذا أفضى إلى إسقاط فرائض الله، كترك الصلاة وإضاعتها، أو إضاعة أوقاتها