ثم قال: والصحيح قول الأكثرين - يعني القطع بقبول التوبة -. انتهى. فتقبل التوبة من كل ذنب لتائب منه من غير استثناء شيء من الذنوب، كما دل على ذلك القرآن والحديث، وبهذا قال أكثر أهل العلم، ما لم يعاين التائب الملَك، وقيل: ما دام مكلفاً; وقيل ما لم يغرغر - أي تبلغ روحه حلقومه -.
وقبول التوبة فضل من الله تعالى غير واجب عليه عند أهل السنة؛ فلو عذب العبدَ على ذنبه لم يكن ظالماً له ولو قدر أنه تاب منه، ولكنه أوجب على نفسه بمقتضى فضله ورحمته أنه لا يعذب من تاب، وقد كتب على نفسه الرحمة، فلا يسع العباد إلا رحمته وعفوه، ولا يبلغ عمل أحد منهم أن ينجو به من النار، أو يدخل به الجنة.
وإذا قبلت توبة العبد، غفر ذنبه الذي تاب منه؛ والمغفرة وقاية شر الذنوب مع سترها، ومن غفرت ذنوبه بالتوبة أو غيرها من مقضيات المغفرة، فهو غير آثم، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وكل من كان غير آثم فهو غير معاقب، لا في القبر، ولا في الآخرة.
وأما في الدنيا، فالتوبة لا تكون مسقطة للعقوبات الواجبة لحق الله تعالى، من حد سرقة أو زنى وشرب، أو تعزير، بعد ثبوتها، وما وجب لحق آدمي، من قصاص أو مال، أو حد قذف أو تعزير، كما لا تسقط بها الكفارات،