منه خبراً، ولم يقفوا منه على عين ولا أثر، قد تراجمت بهم الظنون، {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}[سورة المؤمنون آية: ٥٣] ؛ ومصداق هذا كله: أن الداعي لما أمرهم بتوحيد الله، ونهاهم عن عبادة المخلوقين، أنكروا ذلك عليه، وزعموا أنه جهالة وضلالة، مع كون هذه المسألة أبين في دين محمد صلى الله عليه وسلم من كون العصر أربعاً، والمغرب ثلاثاً؛ بل اليهود والنصارى والمشركون، يعلمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم دعا إلى ذلك، وجادل عليه وقاتل عليه. ثم هؤلاء الذين يزعمون أنهم علماء، اشتد إنكارهم علينا لما تكلمنا بذلك، وزعموا أنه دين جديد، ومذهب خامس، وأنهم لم يسمعوه من مشايخهم ومن قبلهم، ولقد صدقوا في ذلك.
وبالجملة: فهذا الحديث قد خالف أهواءهم، من وجوه متعددة:
الأول: أنهم لا يعرفونه، مع كونهم يظنون أنهم من العلماء.
الثاني: أنه خالف عادات نشؤوا عليها؛ ومخالفة العادات شديد.
الثالث: أنه مخالف لعلمهم الذي بأيديهم، وقد أشربوا حبه كما أشرب بنو إسرائيل حب العجل.
الرابع: أن هذا الدين يريد أن يحول بينهم وبين مآكلهم الباطلة المحرمة الملعونة، إلى غير ذلك من الأمور التي يبتلي الله بها العباد.