للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو أيضاً مع القدرة، ويشترط أن لا يترتب عليه مفسدة، كما قال: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [سورة الأنعام آية: ١٠٨] . وقد أخذ بعض الناس من هذا: أن درء المفاسد يقدم على جلب المصالح، كما هو مقرر في علم الأصول.

ثم إن الآية: آية الغلظة، مدنية، بعد تمكن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الجهاد باليد، وظهور الاستمرار على الكفر من أعدائهم، فوقعت الغلظة في مركزها حيث لم ينفع اللين؛ وأسعد الناس بوراثة الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوة الخلق، أكملهم في متابعته له في هذا.

وكان الصديق أكمل الناس، ولذلك أسلم على يده وانتفع به أمم كثيرة، بخلاف غيره، فقد قيل لبعضهم: "إن منكم منفرين". والقصد من التشريع والأوامر: تحصيل المصالح ودرء المفاسد حسب الإمكان، وقد لا يمكن إلا مع ارتكاب أخف الضررين، أو تفويت أدنى المصلحتين؛ واعتبار الأشخاص والأزمان والأحوال أصل كبير، فمن أهمله وضيعه، فجنايته على الشرع وعلى الناس أعظم جناية.

وقد قرر العلماء هذه الكليات والجزئيات، وفصلوا الآداب الشرعيات، فمن أراد أن ينصب نفسه في مقام الدعوة، فليتعلم أولاً، وليزاحم ركب العلماء، قبل أن يرأس، فيدعو بحجة ودليل، ويدري كيف السير في ذلك السبيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>