وأيضاً، ينبغي لمن قصده الخير والدعوة إلى الله، التوقع في الأمور والتثبت، وعدم الطيش والعجلة، والحرص على الرفق والملاطفة في الدعوة، فإن في ذلك خيراً كثيراً، وينبغي له أن يعرف من له قدم صدق ومعرفة راسخة، فيسأله ويستفتيه، ولا ينظر إلى الأشخاص، ولا من ليس له بصيرة.
وهجران أهل المعاصي يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يستقيم إلا بالبصيرة، والمعرفة التامة؛ وأقل الأحوال - إذا لم يحصل للعبد ذلك - أن يقتصر على نفسه، كما قال صلى الله عليه وسلم:" إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك ".
فإذا رأى الإنسان من يعمل شيئاً من المعاصي، أبغضه على ما فيه من الشر، وأحبه على ما فيه من الخير، ولا يجعل بغضه على ما معه من الشر قاطعاً، وقاضياً على ما معه من الخير فلا يحبه؛ بل إن كان بغضه له يزجره، ويزجر أمثاله عن هذه المعصية مثلاً، هجره وأبغضه، وإن كان لا يزجره ذلك، ولا يرتدع هو وأمثاله، راعى ما فيه الأصلح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم هجر من علم أن الهجر يزجره ويردعه، وقبل معذرة من علم أن الهجر لا ينجع فيه شيئاً، ووكل سرائرهم إلى الله.