للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن نيته الرجوع إلى ذلك المحل الذي خرج منه، هجر عن السلام في زعم هذا الجاهل: أن خروجه مع إبله وغنمه معصية، وهذا جهل وضلال، فإن فعله ذلك مباح، فلا يجوز هجره والإنكار عليه والحالة هذه، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم نعم من إبل وغنم، يجعل فيها رعاة يرعونها، وقال الفضل بن العباس: " زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بادية لنا " ١.

وأما من هاجر ثم رجع إلى البادية، منتقلا عن دار هجرته، فإنه عاص ومرتكب كبيرة، إذا لم يكن من نيته الرجوع، فمن كان مقصوده اتباع الحق، وطلب الهدى، وسعه ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومن كان مقصوده الهوى، والتعمق والتكلف، والتضييق على نفسه، وعلى غيره، من غير دليل شرعي، فهو شبيه بمن انحرف عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل البدع والضلال.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن قوما شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات". وذلك حين سأل نفر من أصحابه، عن عبادته صلى الله عليه وسلم فكأنهم تقالوها، فقال أحدهم: أما أنا فلا آكل اللحم، وقال الآخر: أنا لا أتزوج النساء، وقال الآخر: أنا أصوم ولا أفطر، وأصلي ولا أنام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما أنا فأصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وآكل اللحم، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ".


١ سنن النسائي: كتاب القبلة (٧٥٣) , وسنن أبي داود: كتاب الصلاة (٧١٨) , ومسند أحمد (١/٢١١ ,١/٢١٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>