ثم إنهم قصدوا جسرا النهر، فظن الناس أنهم عبروه، فقال علي: لم يعبروه، وإن مصارعهم لدون النهر، والله لا يقتلون منكم عشرة، ولايسلم منهم، فتعبأ الفريقان للقتال، فنادهم أبو أيوب فقال: من جاء هذه الراية فهو آمن، ومن انصرف إلى الكوفة أو إلى المدائن، وخرج من هذه الجماعة، فهو آمن، فانصرف فروة بن نوفل الأشجعي، في خمسمائة فارس، وخرجت طائفة أخرى متفرقين.
فبقي مع عبد الله بن وهب ألف وثمان مائة، فزحفوا إلى علي، وبدؤوه بالقتال، وتنادوا: الرواح الرواح إلى الجنة، فاستقبلت الرماة من جيش علي، بالنبل والرماح والسيوف، ثم عطفت عليهم الخيل، من الميمنة والميسرة، وعليها أبو أيوب الأنصاري، وعلى الرجالة أبو قتادة الأنصاري، فلما عطفت عليهم الخيل والرجال، وتداعى عليهم الناس، ما لبثوا أن أناموهم فماتوا في ساعة واحدة، فكأنما قيل لهم موتوا فماتوا.
وقتل ابن وهب، وحرقوص، وسائر سراتهم، وفتش علي في القتلى، والتمس المخدج، الذي وصفه البني صلى الله عليه وسلم في حديث الخوارج، فوجده في حفرة على شاطئ النهر، فنظر إلى عضده، فإذا لحم مجتمع كثدي الممرأة، وحلته عليها شعرات سود، فإذا مدت امتدت حتى تحاذى يده الطولى، فلما رآها، قال: الله أكبر، والله ما كذبت، ولا كذبت،