والله لولا أن تنكلوا عن العمل، لأخبرتكم بما قضى الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، لمن قاتلهم متبصرا في قتالهم، عارفا للحق الذي نحن عليه.
وقال حين مر بهم صرعى: بؤسا لكم، لقد ضركم من غركم، قالوا: يا أمير المؤمنين، من غرهم؟ قال: الشيطان، ونفس أمارة بالسوء، غرتهم بالأماني، وزينت لهم المعاصي، ونبأتهم أنهم ظاهرون.
هذا ملخص أمرهم، وقد عرفت شبهتهم، التي جزموا لأجلها بكفر علي، وشيعته، ومعاوية وأصحابه، وبقي معتقدهم في أناس متفرقين، بعد هذه الوقعة، وصار غلاتهم يكفرون بالذنوب، ثم اجتمعت لهم شوكة ودولة، فقاتلهم المهلب بن أبي صفرة، وقاتلهم الحجاج بن يوسف، وقاتلهم قبله ابن الزبير زمن أخيه عبد الله، وشاع عنهم التكفير بالذنوب، يعني ما دون الشرك، انتهى ما ذكره شيخنا.
فتأمل رحمك الله: ما في هذه القصة من الأمور، التي خاطبوا بها أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وما أجابهم به، فمن نصح نفسه وأراد نجاتها، فليتأمل ما في كلامهم من إرادة الخير، وطلبه والعمل به، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنهم ما فعلوا ذلك إلا ابتغاء رضوان الله.