للحد الذي أمروا به، حتى كفروا معاوية رضي الله عنه، ومن معه من الصحابة، والتابعين، وكفروا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومن معه من أفاضل الصحابة والتابعين، لما وافقهم في تحكيم الحكمين.
ثم زعموا: أن تحكيم الرجال في دين الله كفر يخرج من الملة، وأنهم قد أثموا بذلك وكفروا، فتابوا من هذا الأمر، وقالوا لعلي إن تبت فنحن معك ومنك، وإن أبيت، فإنأ منابذوك على سواء.
فإذا تبين لك: أن ما فعلوه إنما هو إحسان ظن بقرائهم، الذين غلوا في الدين، وتجاوزوا الحد في الأوامر والنواهي، وأساؤوا الظن بعلماء الصحابة، الذين هم أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإظهار دينه.
فلما لم يعرفوا لهم فضلهم، ولم يهتدوا بهديهم، ضلوا عن الصراط المستقيم، الذي كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعموا أنهم داهنوا في الدين، والذي حملهم على ذلك أخذهم بظواهر النصوص في الوعيد، ولم يهتدوا لمعانيها وما دلت عليه، فوضعوها في غير مواضعها، وسلكوا طريقة التشديد، والتعسير والضيق، وتركوا ما وسع الله لهم، من التيسير الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:" إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين ".