ثم لما أراد الله إظهار دينه وإعزاز المسلمين، أسلم الأنصار أهل المدينة، بسبب العلماء الذين عندهم من اليهود، وذكرهم لهم النبي صلى الله عليه وسلم وصفته، وأن هذا زمانه، وقدر الله سبحانه أن أولئك العلماء، الذين يتمنون ظهوره، ويتوعدونهم به، لمعرفتهم أن العز لمن اتبعه، يكفرون به، ويعادونه؛ فهو قوله تعالى:{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}[سورة البقرة آية: ٨٩] .
فلما أسلم الأنصار، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان بمكة بالهجرة إلى المدينة، فهاجروا إليها، وأعزهم الله تعالى بعد تلك الذلة؛ فهو قوله تعالى:{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[سورة الأنفال آية: ٢٦] .
[الهجرة ووقوع بدر الكبرى]
وفوائد الهجرة، والمسائل التي فيها كثيرة، لكن نذكر منها مسألة واحدة، وهي: أن أناسا من المسلمين لم يهاجروا، كراهة مفارقة الوطن، والأهل والأقارب؛ فهو قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ