جعله على حاجبه الأيمن، ولم يصمد له صمدا، ولهذا نهى عن الصلاة إلى ما عبد من دون الله في الجملة، ولهذا نهى عن السجود بين يدي الرجل، لما فيه من مشابهة السجود لغير الله، انتهى كلامه.
فليتأمل المؤمن الناصح لنفسه، ما في هذا الحديث من العبر، فإن الله سبحانه يقص علينا أخبار الأنبياء وأتباعهم، ليكون للمؤمن من المتأخرين عبرة، فيقيس حاله بحالهم; وقص قصص الكفار والمنافقين، لتجتنب، ويجتنب من تلبس بها أيضا.
فمما فيه من الاعتبار: أن هذا الأعرابي الجاهلي، لما ذكر له أن رجلا بمكة يتكلم في الدين بما يخالف الناس، لم يصبر حتى ركب راحلته فقدم عليه، وعلم ما عنده لما في قلبه من محبة الدين والخير، وهذا فسر به قوله تعالى:{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً}[سورة الأنفال آية: ٢٣] أي حرصا على تعلم الدين {لأسمعهم} أي: لأفهمهم؛ فهذا يدل على أن عدم الفهم في أكثر الناس اليوم، عدل منه سبحانه، لما يعلم في قلوبهم من عدم الحرص على تعلم الدين.
فتبين: أن من أعظم الأسباب الموجبة لكون الإنسان من شر الدواب، هو عدم الحرص على التعلم، فإذا كان هذا الجاهل يطلب هذا الطلب، فما عذر من ادعى اتباع الأنبياء، وبلغه عنهم ما بلغه، وعنده من يعرض عليه التعليم،