للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يرفع بذلك رأسا، فإن حضر أو سمع فكما قال تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [سورة الأنبياء آية: ٢] .

وفيه من العبر أيضا: أنه لما قال: بأي شيء أرسلك؟ قال: بكذا وكذا، فتبين: أن زبدة الرسالة الإلهية، والدعوة النبوية، هو توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له، وكسر الأوثان، ومعلوم أن كسرها لا يستقيم إلا بشدة العداوة، وتجريد السيف، فتأمل زبدة الرسالة.

وفيه أيضا: أنه فهم المراد من التوحيد، وفهم أنه أمر كبير غريب، ولأجل هذا قال: من معك؟ قال: (حر وعبد) فأجابه: أنه جميع العلماء والعباد والملوك والعامة، مخالفون له، ولم يتبعه على ذلك إلا من ذكر، فهذا أوضح دليل على أن الحق قد يكون مع أقل القليل، وأن الباطل قد يملأ الأرض، ولله در الفضيل بن عياض، حيث يقول: لا تستوحش من الحق لقلة السالكين، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين.

وأحسن منه قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة سبأ آية: ٢٠] وفي الصحيحين " أن بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون " ١ ولما بكوا من هذا لما سمعوه، قال صلى الله عليه وسلم " إنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية، فيؤخذ العدد من


١ البخاري: أحاديث الأنبياء (٣٣٤٨) , ومسلم: الإيمان (٢٢٢) , وأحمد (٣/٣٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>