وظلم في الكليات؛ وأطال الكلام على الفرق بين المتأول والمتعمد، ومن قامت عليه الحجة وزالت عنه الشبهة، والمخطئ الذي التبس عليه الأمر، وخفي عليه الحكم. وقرر مذهب علي بن أبي طالب، في عدم تكفير الخوارج المقاتلين له، المكفرين له ولعثمان، ولمن والاهما رضي الله عنهما; ونقل قول علي لما سئل عن الخوارج: أكفار هم؟ قال:(من الكفر فروا) ، وقوله:(إن لكم علينا أن لا نمنعكم مساجد الله، وأن لا نقاتلكم حتى تبدؤونا بالقتال، وأن لا نمنعكم حقا هو لكم في مال الله) ; ومع هذا هم مصرحون بتكفيره، مقاتلون له، مستحلون لدمه؛ فكيف بالفرح وقد ذكر في الزواجر: أن الفرح بمثل هذه المعاصي من المحرمات، ولم يقل إنه كفر.
ثم اعلم: أن الفتنة في هذا الزمان، بالبادية والبغاة، وبالعساكر الطغاة، فتنة عمياء صماء، عم شرها وطار شررها، ووصل لهيبها إلى العذارى في خدورهن، والعواتق وسط بيوتهن، ولم يتخلص منها إلا من سبقت له من الله الحسنى، وكان له نصيب وافر من نور الوحي، والنور الأول يوم خلق الله الخلق في ظلمة، وألقى عليهم من نوره; وما أعز من يعرف هذا الصنف؛ بل ما أعز من لا يعاديهم ويرميهم بالعظائم!