للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النفس والذهن، لكن، لغلبة الشهود، وقوة الاستحضار، وتمكن حكم القلب، واستيلائه على القوى، صار كأنه مرئي بالعين، مسموع بالأذن، بحيث لا يشك المدرك في ذلك، ولا يرتاب البتة، ولا يقبل عذلا.

وحقيقة الأمر: أن ذلك كله شواهد، وأمثلة علمية، تابعة للمعتقد - إلى أن قال -: وليس مع القوم إلا الشواهد، والأمثلة العلمية، والرقائق، التي هي: ثمرة قرب القلب من الرب، وأنسه، واستغراقه في محبته، وذكره، واستيلاء سلطان معرفته عليه; والرب تبارك وتعالى، وراء ذلك كله: منَزه مقدس، عن اطلاع البشر على ذاته، وأنوار ذاته أو صفاته; وإنما هي الشواهد التي تقوم بقلب العبد، كما يقوم بقلبه شاهد الآخرة، والجنة والنار، وما أعد الله لأهلها. وهذا هو الذي وجده عبد الله بن حرام، يوم أحد، لما قال: " واها لريح الجنة، إني لأجد ريحها دون أحد; " ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " إذ مررتم برياض الجنة فارتعوا " ١ وقوله: " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة " ٢، فهي: روضة لأهل العلم والإيمان، لما يقوم بقلوبهم من شواهد الجنة، حتى كأنها لهم رأي عين; وإذا قعد المنافق هناك، لم يكن ذلك المكان في حقه روضة من رياض الجنة; فالعمل إنما هو على الشواهد، وعلى حسب شاهد العبد يكون عمله; انتهى ملخصا. وبه: يظهر معنى الحديث، وأن اختصاص هذا


١ الترمذي: الدعوات (٣٥٠٩) .
٢ البخاري: الجمعة (١١٩٥) , ومسلم: الحج (١٣٩٠) , والنسائي: المساجد (٦٩٥) , وأحمد (٤/٣٩ ,٤/٤٠ ,٤/٤١) , ومالك: النداء للصلاة (٤٦٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>