وشرك في الألوهية: بأن يدعى غيره دعاء عبادة، أو دعاء مسألة، كما قال تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[سورة الفاتحة آية: ٥] . فكما أن إثبات المخلوقات أسبابا، لا يقدح في توحيد الربوبية، ولا يمنع أن يكون الله خالق كل شيء، ولا يوجب أن يدعى المخلوق دعاء عبادة، أو دعاء استعانة، كذلك إثبات بعض الأفعال المحرمة، من شرك أو غيره أسبابا، لا يقدح في توحيد الإلهية، ولا تمنع أن يكون الله هو الذي يستحق الدين الخالص، ولا يوجب أن تستعمل الكلمات والأفعال التي فيها شرك، إذا كان الله يسخطه ذلك، ويعاقب العبد عليه.
وتكون مضرة ذلك على العبد أكثر من منفعته، إذ قد جعل الخير كله في أنا لا نعبد إلا إياه، ولا نستعين إلا به، وعامة آيات القرآن تثبت هذا الأصل، حتى إنه سبحانه قطع أثر الشفاعة بدون إذنه، فذكر رحمه الله آيات كثيرة في هذا المعنى، ثم قال: القرآن عامتة إنما هو في تقرير هذا الأصل العظيم، الذي هو أصل الأصول.
وقال رحمه الله، في موضع آخر: ونحن نعلم بالضرورة، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن يدعوا أحدا من الأحياء والأموات، لا الأنبياء ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة في حال الشدة، ولا بلفظ الاستعانة، ولا بغيرهما، كما لم يشرع الله السجود لميت، ولا إلى ميت، ونحو ذلك; بل نعلم أنه نهى عن ذلك كله،