والجهل به هو العلم ; فإن اللعين من أعلم الخلق بأنواع الحيل التي لا يعرفها آدم، مع أن الله علمه الأسماء كلها، فكان ذلك العلم من إبليس هو الجهل، وفي الحديث:"إن الفاجر خب لئيم، وإن المؤمن غر كريم"، وأبلغ من ذلك وأعم منه قول الملائكة:{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا}[سورة البقرة آية: ٣٠] فقيل لهم ما قيل وعوتبوا، فكانت توبتهم أن قالوا:{سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا}[سورة البقرة آية: ٣٢] ، فكان كمالهم ورجوعهم عن العتب، وكمال علمهم أن أقروا على أنفسهم بالجهل، إلا ما علمهم سبحانه، ففي هذه القصة شاهد للقاعدة الكبرى في الشريعة المنبه عليها في مواضع، منها قوله صلى الله عليه وسلم:" وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها ".
ومنها: أنه لا ينبغي للمؤمن أن يغتر بخوارق العادة، إذا لم يكن مع صاحبها استقامة على أمر الله، فإن اللعين أنظره الله تعالى، ولم يكن ذلك إلا إهانة له وشقاء له، وحكمة بالغة يعلمها الحكيم الخبير، فينبغى للمؤمن أن يميز بين الكرامات وغيرها، ويعلم أن الكرامة هي لزوم الاستقامة.
ومنها: أن الأمور التي يحرص عليها أهل الدنيا قد تكون عقوبة ومحنة، والجاهل يظنها نعمة، مثل المال والجاه وطول العمر ; فإن الله أعطى اللعين من النظرة ما أعطاه.
ومنها: أن يعلم المؤمن أن الذنوب كثيرة، ولا نجاة له منها إلا بمعونة الله وعفوه، وأن كثيرا منها قد لا يعلمه من