ذلك نقص في حقه إذا خضع لواحد دونه في السن، ودونه في الأصل على زعمه، فلم يطع الأمر، واحتج على فعله بحجة وهي: أن الله خلقه من أصل خير من أصل آدم، ولا ينبغي أن الشريف يخضع لمن دونه، بل العكس.
فعارض النص الصريح بفعل الله الذي هو الخلق، فكان في هذا عبرة عظيمة لمن رد شيئا من أمر الله ورسوله واحتج بما لا يجدي، فلما فعل لم يعذره الله بهذا التأويل; بل طرده، ورفع آدم وأسكنه الجنة.
وكان مع عدو الله من الحذق والفطنة ودقة المعرفة ما يجل عن الوصف، فتحيل على آدم حتى ترك شيئا من أمر الله، وذلك بالأكل من الشجرة، واحتج لآدم بحجج؛ فلما أكل لم يعذره الله بتلك الحجج، بل أهبطه إلى الأرض، وأجلاه عن وطنه.
ثم قال:{اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً}[سورة طه آية: ١٢٣] يقول تعالى: لما أجليتكم عن وطنكم، فإن بعد هذا الكلام، وهو أني مرسل إليكم هدى من عندي، لا أكلكم إلى رأيكم، ولا رأي علمائكم، بل أنزل ربكم العلم الواضح الذي يبين الحق من الباطل، والصحيح من الفاسد، والنافع من الضار {لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[سورة النساء آية: ١٦٥] ومعلوم: أن الهدى هو هذا القرآن.