بلغ رتبة الاجتهاد، فقد كذب الله في خبره أنه هدى؛ فإنه على هذا القول الباطل لا يكون هدى إلا في حق واحد من الآلاف المؤلفة، وأما أكثر الناس فليس هدى في حقهم؛ بل الهدى في حقهم أن كل فرقة تتبع ما وجدت عليه الآباء، فما أبطل هذا من قول! وكيف يصح لمن يدعي الإسلام: أن يظن في الله وكتابه هذا الظن؟ ولما عرف الله سبحانه أن هذه الأمة سيجري عليها ما جرى على من قبلها، من اختلافهم على أكثر من سبعين فرقة، وأن الفرق كلها تترك هدى الله، إلا فرقة واحدة، وأن الفرق كلها يقرون بأن كتاب الله هو الحق لكن يعتذرون بالعجز، وأنهم لو يتعلمون كتاب الله ويعملون به لم يفهموه لغموضه، قال: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [سورة طه آية: ١٢٣] : وهذا تكذيب لهؤلاء الذين ظنوا في القرآن ظن السوء; قال ابن عباس: "تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة" وبيان هذا: أن هؤلاء يزعمون أنهم لو تركوا طريقة الآباء واقتصروا على الوحي، لم يهتدوا، بسبب أنهم لا يفهمون، كما قالوا:{قُلُوبُنَا غُلْفٌ} فرد الله عليهم بقوله: {بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ}[سورة البقرة آية: ٨٨] فضمن لمن اتبع القرآن أنه لا يضل كما يضل من اتبع الرأي، فتجدهم في المسألة الواحدة يحكون سبعة أقوال أو ستة ليس منها قول