وما غلب على أكثر الخلق من الإعراض عما خلقوا له، واشتغالهم بالفاني عن الباقي، وظهور سلطان حب الدنيا، واستيلاؤه على القلوب، وفشو المنكرات، وتتابع ظهورها، بدون مغير لها ولا منكر؛ وهذا مما يدل على أن الإسلام قد بدأ مرضه في هذه الديار، وأن أوامره ونواهيه خف وقعها في النفوس.
فالواجب على كل مسلم أن يهتم بهذا الأمر أشد الاهتمام، ويبذل كل ما يقدر عليه، في سبيل إصلاح دين المسلمين، من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولا يختص بواحد دون آخر. فإن جميع بني آدم لا تتم مصالحهم في الدنيا ولا في الآخرة، إلا بالاجتماع، والتعاون، والتناصر، على جلب ما ينفعهم، ودفع ما يضرهم وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، في حين أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر لم يبق فيه إلا رسوم قليلة، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه.
وإذا لم يؤخذ على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله بعقابه {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[سورة النور آية: ٦٣] . وإنه لمن آكد قواعد الأديان، وأعظم منافع الإسلام، وهو مقام الرسل حيث يثقل صاحبه على الطباع وتنفر منه نفوس أهل اللذات، ويبغضه أهل الخلاعة؛ وبه تحيا السنن وتموت البدع، فلو سكت