لومة لائم، فلا يراؤون أحدا، ولا يرجون أحدا أو يخافونه، إلا الله، لأنهم يؤمنون بالله، وأنه النافع الضار.
ومع هذا، فهم راضون عن أنفسهم لحسن صنيعها; ولذا فإنهم يرحبون بكل بلاء في سبيل الله: فمن سجن منهم اتخذ من السجن خلوة يناجي فيها ربه، ومن نفي اتخذ من منفاه دار سياحة ودعوة، ومن قتل مات على الشهادة التي تمناها المؤمنون بلقاء الله منذ القدم: فهذه هي صفات المتقين، سعداء الدنيا والآخرة.
فإلى معين تلك السعادة يا دعاة الحق تسابقوا، ومن سبيلها تضلعوا؛ فلستم في دار خلد، وإنما دار الخلد تنتظركم، فاستعدوا لها بزادها زاد المتقين. انتهى.
فصل فيما ينبغي أن يتخلقوا به من الزهد في الدنيا
والتقليل منها، والقناعة في الملابس والمآكل والمساكن، وإتباع القول بالفعل، في النفس والأهل، والاقتداء بالسلف الصالح، ورسول رب العالمين، صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الذي يجب التأسي به، والتخلق بأخلاقه، فقد عرضت عليه الدنيا فأباها.
دخل عمر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربة له، على رمال حصير قد أثّر في جنبه، فقال: يا نبي الله، كسرى وقيصر على الديباج، فقال:"يا عمر أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة" ١.
وقال أنس: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"والذي
١ البخاري: تفسير القرآن (٤٩١٣) , ومسلم: الطلاق (١٤٧٩) .