اللاهثين وراء الدنيا، رغم ما نالوا منها، أشقى الناس فيها.
وأنتم ترونهم قد شغلوا عن عبادة الله، وشغلوا عن ملاطفة أهليهم وأولادهم، وشغلوا بالمجاملة والنفاق: هذا يخافون منه، وهذا يرجون. وشغلوا عن نومهم بالوساوس والظنون، والتحسر على فرطاتهم الدنيوية. وشغلوا عن أكل لقمة العيش وحمد الله عليها، بالشبع الجهنّمي الذي تصطلي ناره في قلوبهم.
أما أنتم يا دعاة الحق، ففي سعادة لو ذاقها هؤلاء السذج، لجالدوكم عليها بالسيوف، تلك هي سعادة المتقين، الذين إذا أصابتهم سراء شكروا، وقيدوها بطاعة الله، واجتناب نواهيه، وإن أصابتهم ضراء صبروا، وحمدوا الله الذي جعل البلاء للمؤمنين كفارة لذنوبهم.
ومع هذا فهم قانعون بما رزقهم الله، لأنهم يعلمون أن حلال الدنيا حساب، وحرامها عقاب، ولأنهم اتخذوا من رسول الله قدوة، حين قال لما خير في تسيير الأبطح ذهبا:"اللهم اجعل قوت آل محمد كفافا".
ولأنهم يعلمون أن الذين آتاهم الله مالا من الصحابة ابتغوا فيه الدار الآخرة، فبذلوه في سبيل الله، ومسحوا به دموع البائسين، ومع قناعتهم هذه، فإنهم يمشون على نور من ربهم ينير قلوبهم، وينير الطريق أمامهم.
يعبدون الله على بصيرة وعلم، ويأمرون على بصيرة وعلم، ويقولون كلمة الحق عند كل أحد، لا تأخذهم في الله