للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد حبشي" ١، وقال صلى الله عليه وسلم "اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك" ٢. وهذا يدل على كمال هذه الشريعة وتمام نضوجها في السياسة وغيرها؛ لأنه متى حصل منابذة للحاكم، لا بد أن ينجم عن ذلك القتل، وخلل في الأمن، وعدم الاستقرار، فيذهب بسبب ذلك الألوف من الأنفس، كما قيل: ملك ظلوم غشوم، خير من فتنة تدوم. وهذا شيء يشهد له التاريخ والواقع. وهناك أنفس شريرة لا يناسبها إلا هذا الوضع، ما لم يضرب عليها بيد من حديد.

أما الأنفس الخيرية التي زكت عقولها، وتنورت بنور الوحي المحمدي، فهذا أشق عليها، كما قال الإمام أحمد: لو كان لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان، لأن بصلاحه صلاحا للرعية، وبفساده فسادا للرعية. ويروى عن سفيان والفضيل، رضي الله عنهما مثل ذلك. وكلما عظم قدر الدين في النفس، عظم عندها قدر الحاكم واحترامه وتوقيره؛ ولكن لا يكون هذا التوقير مانعا عن مناصحته، وتبيين أخطائه ليتلافاها، وإنكار ما يرتكبه من المنكر، والصدع بكلمة الحق بين يديه، بل يعد هذا من كمال محبته والشفقة عليه، كما قيل: من أحبك نهاك، ومن أبغضك أغراك، وقال الشاعر:

ما ناصحتك خبايا الود من أحد ... ما لم ينلك بمكروه من العذل


١ البخاري: الأحكام (٧١٤٢) , وابن ماجه: الجهاد (٢٨٦٠) , وأحمد (٣/١١٤) .
٢ مسلم: الإمارة (١٨٤٧) , وأبو داود: الفتن والملاحم (٤٢٤٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>