وإنه لمن العجب إعراض أكثر الناس في هذه الأزمنة عن تعاليم هذه الشريعة السامية الكاملة، واستبدالها أو شوبها بقوانين وضعية، ظاهرة التناقض، واضحة الجور، فاسدة المعنى. فلذا كثيرا ما يطرأ عليها التغيير والتبديل، كل يرى أنه أحسن ممن تقدمه، وأدرى بالمصالح والمفاسد ممن سبقه، ثم يجري فيها تغييرا وتبديلا، بحسب رأيه؛ وهكذا دواليك ما بقيت هذه النظم، المستمدة من نحاتة الأفكار وزبالة الأذهان.
أما الشريعة الإسلامية، فهي صالحة لكل زمان ومكان مضى عليها أربعة عشر قرنا وهي هي في كمالها ومناسبتها، وحفظها لكافة أنواع الحقوق لجميع الطبقات. وأهدأ الناس حالا، وأنعمهم بالا، وأقرهم عيشا، أشدهم تمسكا بها، سواء في ذلك الأفراد أو الشعوب، أو الحكومات؛ وهذا شيء يعرفه كل أحد إذا كان عاقلا منصفا، وإن لم يكن من أهلها، بل وإن كان من المناوئين لها.
وقد سمعنا وقرأنا كثيرا مما يدل على ذلك؛ فقد ذكر بعض عقلاء المستشرقين الذين يكتبون لبيان الحقيقة والواقع - لا للسياسة- أن نشأة أوربا الحديثة، إنما كانت رشاشا من نور الإسلام، فاض عليها من الأندلس، ومن صفحات