ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف"١ فهؤلاء، أي الأشاعرة، ما فهموا من كلام الله، إلا ما فهموا من كلام المخلوقين، فقالوا: إذا قلنا بالحرف، أدى ذلك إلى القول بالجوارح واللهوات ; وكذلك: إذا قلنا بالصوت، أدى ذلك إلى الحلق والحنجرة، عملوا في هذا من التخبيط، كما عملوا فيما تقدم من الصفات.
والتحقيق هو أن الله تكلم بالحروف، كما يليق بجلاله وعظمته ; فإنه قادر لا يحتاج إلى جوارح، ولا إلى لهوات؛ وكذلك له صوت كما يليق به، يسمع، ولا يفتقر ذلك الصوت المقدس إلى الحلق والحنجرة ; كلام الله يليق به، وصوته كما يليق به ; ولا ننفي الحروف والصوت عن كلامه، لافتقارهما هنا إلى الجوارح واللهوات، فإنهما في جناب الحق لا يفتقران إلى ذلك، وهذا ينشرح الصدر له، ويستريح الإنسان به من التعسف والتكلف ; لا قوله: هذا عبارة عن ذلك.
فإن قيل: هذا الذي يقرأ القارئ، هو عين قراءة الله، وعين تكلمه به هو؟
قلنا: لا، بل القارئ يؤدي كلام الله، والكلام إنما ينسب إلى من قاله مبتديا، لا إلى من قاله مؤديا مبلغا، ولفظ القاري في غير القرآن مخلوق، وفي غير القرآن لا يتميز اللفظ المؤدي عن الكلام المؤدى عنه، ولهذا منع