للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدلون عليه، حتى يجيء أنباط الفرس، وفروخ الفلاسفة، فيبينون للأمة العقيدة الصحيحة، التي يجب على كل مكلف أو فاضل اعتقادها! وهم مع ذلك أحيلوا في معرفتها على مجرد عقولهم، وأن يدفعوا بمقتضى قياس عقولهم ما دل عليه الكتاب والسنة، نصا أو ظاهرا; يا سبحان الله! كيف لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم يوما من الدهر، ولا أحد من سلف الأمة: هذه الأحاديث والآيات، لا تعتقدوا ما دلت عليه، لكن اعتقدوا الذي تقتضيه مقاييسكم، فإنه الحق، وما خالفه فلا تعتقدوا ظاهره، وانظروا فيها، فما وافق قياس عقولكم فاعتقدوه، وما لا فتوقفوا فيه، أو انفوه!

ثم الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن أمته ستفترق ثلاثا وسبعين فرقة، فقد علم ما سيكون في أمته من الاختلاف، ثم قال: " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله "١، وروي أنه قال في صفة الفرقة الناجية " هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي "٢، فهلا قال: من تمسك بالقرآن، أو بدلالة القرآن، أو بمفهوم القرآن، أو بظاهر القرآن، في باب الاعتقاد فهو ضال، وإنما الهدى رجوعكم إلى مقاييس عقولكم، وما يحدثه المتكلفون منكم بعد القرون الثلاثة؟ !

ثم أصل مقالة التعطيل للصفات إنما أخذت عن تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين ; فإن أول من حفظ عنه أنه قال هذه المقالة في الإسلام: الجعد بن درهم، وأخذها عنه الجهم بن صفوان وأظهرها، فنسبت مقالة


١ الترمذي: المناقب (٣٧٨٨) , وأحمد (٣/١٧ ,٣/٢٦ ,٣/٥٩) .
٢ الترمذي: الإيمان (٢٦٤١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>