للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فان أحتج لهم محتج وأعتذر عنهم معتذر بانهم لا يعتدون بالفروسية الا لمن كان جاهليا فقد وجدوا في الجاهلية من هو مثلهم وأشجع ثم بهذه أدحض حجة وأقبح عذرا ولا يعلم من قال ذلك إنه قد جعل الإسلام لأهله ذنبا وجعلهم عليه غضاضة ونقصان فنعوذ بالله من ذلك.

فرسان الإسلام بحمد الله أولى بالتقديم في كل شرف وفضل لما جمع الله لهم من البصيرة في الدين الى النخوة العربية وأنضلف لهم من صدق اليقين الى شدة الحمية ولما عدوا به عن الصبر من الثواب وأوعدوا به وأوعدوا به على تولية الأدبار من العقاب، فصار ذلك أصح وأشد لعزائمهم وأنفذ وأثقب لبصائرهم وهان عليهم الأرخاص بالنفوس في الجهاد طلبا للفوز في المعاد فهم بالفضل أولى، وبالشرف في كل حال أجدر وأحرى، وهل ذكر لؤلئك الغوارين الفرارين مثل مواقف المسلمين الصابرين الذين كلف الواحد منهم قتال عشرة؟ ثم لما خفف عنهم كلف قتال أثنين وجعلت له الجنة على أصطباره والنار على فراره، ومن نظر في أيام العرب في الجاهلية وأطلع على سيرهم وجدها كلها أو أكثرها غارات لا غير، كان بعضهم يغير على بعض فان وأفق منهم غرة وضعفا نهب وسبى، وإن أنس منهم منعة وعزا أغار على الأنعام فطردها، فاما إن يفوت بها أو ببعضها أو يلحقه الطلب، فان وجد الذين أغروا في أنفسهم ضعفا عمن تبعهم طاروا هربا، وأم كانوا عدتهم ثبتوا لهم فاقتتلوا عندها فيقتل بينهم الواحد والنفر، أو يؤسر الواحد والنفر أو لا يقتل بينهم أحد، فهذا كان مقدار حروبهم في أيمهم كلها أو في أكثرها حتى إن الايام الثلاثة المذكورة وهي يوم جبلة ويوم الكلاب الثاني ويوم ذي قار لم تزد مباشرتهم فيها للحرب على بعض نهار، كام في أوله أبتداؤها وفي بعضه أنقضاؤها، وذلك ما روي

<<  <   >  >>