البادية فيضرب عليه قبة من أدم وينحر له جزوراً، فليس في التقدير أن يكون الدهن الذي بعث إليه به مع أمته لتدهن به راسه إلا سمناً. فكيف يقاس هذا الملك بملك إذا خرج إلى وجه من الوجوه ولو كانت المسافة إليه يوماً أو دونه أمتلأ البر بالسرادقات والمضارب والخيم والمطابخ.
ويشبه ما ذكر من حال المنذر وما ذكر من هدية النعمان إلى كسرى لما عزم على العودة إليه بعد هربه منه، وإنه أهدى إليه هديه فيها أقط وسمن هذا على إنها هديته التي تحفل فيها وطلب بها رضاه وإزالة سخيمته وعوده الى ملكه. ولم يكن أيضاً كسرى ليقبل مثل هذا ولا يستطرفه إلى ممن عادات أهل البداوة عليه غالبةً، وآثارها عليه ظاهرة. ولو كان النعمان مشهوراً بعادات الملوك وآثار ما عليهم من النعم ما قبل كسرى منه ذلك ولا أستطرفه ولا حمله أيضاً إليه أكان مثل هذا لا يستطرف إلا من الأعراب. فاين ملك لم تبلغ سعة ملكه وثروته الحد الذي ما يزول أثر البداوة عنه من ملك ملكه ممهد وعزه موطد، يستعمل على رساتيق العراق الولاة الأمراء ويرتب في أمصاره الدواوين والوزراء؟ وهل يقدر أحد أن يدّعي مثل هذا من القدرة وسعة الملك والثروة للنعمان إلى على سبيل الهت.
ومن الامارات أيضاً١٦١ على مثل ما ذكرناه من أحوالهم قول عدي بن زيداً للنعمان: إذا أكلت بين يدي كسرى فأجث على ركبتيك وعظم لقمتك وكثر أكلك، فإن كسرى يعجبه ذلك من العرب، ويقول لا خير في البدوي إذا