منهم، الدولة غلمان يلعبون فالتزم أحدهم، وقال له: أنا لك جار. وكان الغلام بجير بن جابر العجلي فأجاره، وجاء القيسيون فنازعهم فيه فقال لهم العجليون: إن شئتم فخذوا منا ما اشتريتم به، وإن شئتم حملناه على فرس وأعطيناه سلاحاً وأجزناه الوادي ثم دونكموه، فرضي القيسيون بذلك ورضي به الحارث أيضاً. فحمله العجليون وأجازوه الوادي وأتبعه القيسيون ففاتهم وصار إلى أرض بني قشير، فنزل بهم فأكرموه وكان عندهم إلى أن هلك.
[من أخبار النعمان بن المنذر]
وعلى اختلاف الروايات كلها واتفاقها فإنها دالة على أن الحارث فات النعمان بوتره عنده بل أخلد النعمان إلى أمر مستقبح مستهجن عند السوقة فكيف الملوك تتشرف عنه نفوس الكرام، وتتنزه عنه ذوو الحجى والأحلام جعل لنفسه يوم بؤس ويوم نعيم يخبط فيهما خبط عشواء، وفعل فعل العجماء، يكرم من أتاه في يوم نعيمه ولو إنه قاتل أبيه، ويقتل من جاءه في يوم بؤسه ولو كان عنده في منزلة ولده وأخيه، وياطخ الغريين فيما روي بدمائهم وأفتخر بذلك حتى مدح به فقيل فيه:
له يوم بؤس فيه للناس أبؤس ... ويوم نعيم فيه للناس أنعم
وقد روي أن هذا البيت في شعر للحسين بن مطير الأسدي يمدح به أمير المؤمنين المهدي رضي الله عنه ولعله ضمنه شعره تضميناً. فمن جملة إعجابه في ذلك ما روي عنه إنه ركب في يوم من أيام نعيمه، فانفرد عن أصحابه فمر بشيخ جالس على غدير، فقال له: يا شيخ أتعرف النعمان؟ قال: نعم وربما نمت على بطن أمه أو مررت يدي على فرجها، فقال له: ويحك، النعمان بن المنذر! قال: قد أخبرتك أني سمعت. فلما انقضى كلامه