(٢) وقوله: "فيعتقدَ صحةَ العدوى فيقعَ في الحرج". هذا القول، أيضاً، ليس بسديد. ويقال فيه: ومَن قال: إنّ اعتقاد صحة العدوى، التي أثبتها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيه حرج! (٣) تعليقٌ عامٌّ على فقه الأحاديث في العدوى: المرض يقدِّرُه الله على خَلْقه، وجَعَلَ له أسبابًا، منها: مخالطةُ الشخص السليم للمصاب بالمرض المعْدِي، ومنها التعرض للأسباب الأخرى التي جعلها الله سببًا للإصابة بالمرض، وكلُّ ذلك بقدَر الله، فليس شيء خارجٌ عن قدَرِ الله، ومشكلةُ كثير مما كُتب في فقه أحاديث العدوى أمران: الأوّل: توهّمُ التعارض بين أسباب العدوى التي جعلها الله سببًا للإصابة بالمرض، وبين الإيمان بالقضاء والقدر. الثاني: توهُّم التعارض بين الأحاديث الواردة في الباب. لكن الحقيقة أنّه لا تعارُض بين تقدير الله للمرض والأسباب المسبِّبة له بأمرِ الله وإرادته وقدَرِه. وكذلك لا تعارُض إطلاقًا بين الأحاديث الواردة في الموضوع، وإنما المشكلة هي في عدم وضْع كلٍّ مِن هذه الأحاديث في مواضعها وإنزالها على المعاني التي قصَدَها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بحيث لا يَصْرِف المسلمَ عن هداياتِ هذه الأحاديث إغراقٌ في الظاهرية، أو تكلّفٌ في التأويل. ومما يوقِع الناسَ في الخطأ في فقه مثل هذه المسألة عدم التنبه للصواب بين النفي المطْلق أو الإثبات المطْلق؛ فيقول القائل ممن سَلَكَ هذا المسْلك أو ذاك: لا عدوى مطْلَقاً، أو يقول بإثبات العدوى في الأحوال كلها. لكن، الصواب لا هذا ولا ذاك. - إنه لا تعارُضَ بين مشيئة الله وشريعة الله في مثل هذه المعاني. - وإنه لا تعارُض بين (لا عدوى ولا طَيَرة)، و (فمن أعدى الأول؟). - ولا تعارُض بين (لا عدوى ولا طَيَرة)، و (فرّ من المجذوم فرارك مِن الأسد) ونحوه مِن الأحاديث. أمّا حديث: (لا يُعْدِي شيءٌ شيئًا) فهو مرويٌّ بسندٍ فيه راوٍ مبهم لم يُعْرف اسمه، وهو الراوي عن ابن مسعود، -رضي الله عنه-، ولا يصحّ أنْ تُعارَضَ به أحاديث الصحيحين. وعلى فَرض صحته، فمعناه المراد هو: نفْيٌ مخصوصٌ لا نفيًا مطْلقًا، وحينئذٍ لا يتعارض مع الأحاديث الثابتة، بل يتطابق معها.