للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومثال المرفوع من التقرير تصريحاً: أن يقولَ الصحابي: فعلتُ بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا، أو يقولَ، هو أو غيره: فَعَل فلان بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا، ولا يَذْكر إنكاره لذلك.

ومثالُ [١٨/ أ] المرفوع مِن القول، حكماً لا تصريحاً: [أن] (١) يقول الصحابي -الذي لم يأخذ عن الإسرائيليات- ما لا مجال للاجتهاد فيه، ولا له تعلّقٌ ببيان لغةٍ أو شرحِ غريبٍ، كالإِخبار عن الأمور الماضية: مِن بَدْءِ الخلق، وأَخبارِ الأنبياء، أو الآتية (٢): كالملاحم، والفتن، وأحوال يوم القيامة، وكذا الإخبارِ (٣) عما يَحْصل بفعله ثوابٌ مخصوصٌ، أو عقابٌ مخصوص (٤).


(١) في الأصل: "ما" والمثبت من عدة نسخ، وهو الأليق بما سبقه من أمثلة.
(٢) أَيْ: الإخبار عن الأمور الآتية.
(٣) صوابه: الإخبار. بكسر الهمزة، وليس بالفتح كما في بعض النسخ.
(٤) قول الصحابي، أو الموقوف على الصحابي: إنما يأخذ حكم الرفع بشرطين:
الأول: أن يكون هذا الصحابي لا يأخذ عن الإسرائيليات.
الثاني: أن يكون الكلام مما لا مجال للاجتهاد فيه.
"وقد تكلم الشيخ أبو عمرو على قول الصحابي: " كنَّا نفعل"، أو "نقول كذا"، إن لم يُضِفْه إلى زمان النبي - صلى الله عليه وسلم -: فقال أبو بكر البَرْقاني عن شيخه أبي بكر الإسماعيلي: إنه مِن قَبِيل الموقوف، وحكَمَ النَّيْسابوري برفعه، لأنه يدل على التقرير، ورجَّحه ابنُ الصلاح.
قال: ومِن هذا القَبيل قولُ الصحابيّ: "كنَّا لا نَرى بأساً بكذا"، أو "كانوا يفعلون أو يقولون"، أو "يقال كذا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "-: إنه مِن قبيل المرفوع.
وقولُ الصحابي "أُمِرنا بكذا"، أو "نُهينا عن كذا": مرفوعٌ مسنَدٌ عند أصحاب الحديث، وهو قول أكثر أهل العلم، وخالف في ذلك فريق، منهم أبو بكر الإسماعيلي، وكذا الكلام على قوله "مِن السّنة كذا"، وقول أنَسٍ "أُمِرَ بلالٌ أن يَشْفَع الأذانَ ويُوتر الإقامةَ".
قال: وما قيل مِن أنّ تفسير الصحابي في حكمِ المرفوع، فإنما ذلك فيما كان سَببَ نُزولٍ، أو نحوَ ذلك.
أما إذا قال الراوي عن الصحابي: "يَرفعُ الحديثَ" أو "يَنْميه" أو "يَبْلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - "، فهو عند أهل الحديث مِن قبيل المرفوع الصريح في الرفع. والله أعلم"، "اختصار علوم الحديث"، ص ٤٦ - ٤٧.
وعَلّق الشيخ أحمد شاكر، رحمه الله، على الحُكمِ بأنّ قول الصحابي: "أُمِرنا بكذا" أو "نُهينا عن كذا" يُعَدُّ مرفوعاً؛ فقال: "وهو الصحيح، وأقوى منه قول الصحابي "أُحِلّ لنا كذا"، أو "حُرِّم علينا كذا"، فإنه ظاهرٌ في الرفع حُكماً، لا يَحْتمل غيرَه، انظر شرحنا على مسند أحمد، في الحديث ٥٧٢٣، وانظر أيضاً "الكفاية" للخطيب (ص ٤٢٠ - ٤٢٢) "، الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، ص ٤٧، حاشية ١.
وعَلّق، أيضاً، على القول بأنّ تفسير الصحابي في حكم المرفوع؛ فقال: "أما إطلاق بعضهم أن تفسير الصحابة له حكم المرفوع، وأنّ ما يقوله الصحابي، مما لا مجال فيه للرأي، مرفوع حكماً كذلك: فإنه إطلاقٌ غيرُ جيد، لأن الصحابة اجتهدوا كثيراً في تفسير القرآن، فاختلفوا، وأَفتوا بما يَرَونه مِن عموماتِ الشريعة تطبيقاً على الفروع والمسائل، ويَظن كثير مِن الناس أنّ هذا مما لا مجال للرأي فيه. وأما ما يحكيه بعض الصحابة مِن أخبار الأمم السابقة، فإنه لا يُعطَى حكم المرفوع أيضاً، لأن كثيراً منهم، ?، كان يروي الإسرائيليات عن أهل الكتاب، على سبيل الذكرى والموعظة، لا بمعنى أنهم يعتقدون صحتها، أو يستجيزون نسبتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حاشا وكلا". "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث"، ص ٤٧، حاشية ٢. وهذا تحقيقٌ نفيسٌ.
وقد قال ابن تيمية، رحمه الله تعالى، في "الفتاوى": ١٣/ ٣٤٠: "وقد تنازع العلماء في قول الصاحب: نزلت الآية في كذا، هل يَجري مجرى المسند كما يذكر السبب الذي أُنزلت لأجله، أو يَجري مجرى التفسير منه الذي ليس بمسند، فالبُخَارِيّ يُدْخله في المسند، وغيره لا يُدْخله في المسند، وأكثر المساند على هذا الاصطلاح كمسند أحمد وغيره؛ بخلافِ ما إذا ذَكَر سبباً نزلتْ عَقِبه، فإنهم كلهم يُدخِلون مثل هذا في المسند".

<<  <   >  >>