وفي عهد التابعين وتابعيهم ظهر الإرجاء وذلك في آخر المائة الأولى بعد سنة (٨٠ هـ) فظهر قول المرجئة بإزاء قول القدرية، فزعموا أن الإيمان هو التصديق وأنه لا يزيد ولا ينقص، ولا يجوز الاستثناء فيه، وأن الإيمان لا يشمل الأعمال إنما هي من لوازم الإيمان، وهؤلاء هم مرجئة الفقهاء، وهم بخلاف مرجئة الجهمية الغلاة فإنهم كفرة وهم الذين يقولون: الإيمان مجرد المعرفة ولا يلزم العمل أبداً، فمن آمن وصدّق وعرف الله دخل الجنة، وهو مؤمن مطلقاً، وإيمانه كإيمان جبريل، ولا يدخلون العمل في مسمى الإيمان ولا يجعلونه من لوازمه، بل يرون أن من عرف الله وصدّق بما جاء به الرسل جملة فهو مؤمن حتى وإن اقترف الآثام والمعاصي، بل وإن اقترف الكفر، ولو ترك جميع أعمال الإسلام فلم يصل ولم يصم ولم يحج فهو عند المرجئة مؤمن، فهذا إرجاء الغلاة وليس هو المقصود هنا، إنما المقصود إرجاء الفقهاء، وهو كما أنه بدعة إلا أنه قال به بعض الأئمة وبعض أهل العلم الذين لهم اعتبارهم؛ لكن قولهم شاذ وخارج عما أجمع عليه السلف.
إذاً: فالمرجئة يقولون إن الإيمان هو التصديق، ويرون أن الأعمال من لوازم الإيمان وليست من الإيمان، والسلف ردوا على هذه المقولة بردود كثيرة.